في مشهدٍ يعكس المفارقة الصارخة بين مشروعين؛ أحدهما ينبض بالحياة على أرض الواقع، والآخر يُختزل في هلوسات إعلامية تتدفق من فنادق أرض الشتات، بعد غد تخرج مليونية حضرموت، لتُعلن بصوتٍ عالٍ أن الجنوب بشعبه لم يعد ساحةً لأحلام قوى شرعية الشمال الواهمة، فبينما يُنظّم الجنوب صفوفه ويُرسّخ هويته عبر ممثل شرعي فوض شعبيًّا وحزبيًا وجماهيريًّا وشبابًا ونساءً، وهو الرئيس عيدروس بن قاسم الزبيدي ، ليكون رئيسًا شرعيًّا لمشروعهم السياسي الواضح والمتمثل في المجلس الانتقالي الجنوبي، تجد في المقابل تخبط إعلام الشرعية الشمالية في دوامة من التناقضات، يحاول فيها تلفيق سرديات استخباراتية تنم عن حقدٍ دفين ضد إرادة شعب طهّر أرضه وحمى عرضه ودينه وكان واضحًا بنضالاته وتضحياته أنه صاحب مشروع سياسي يريد استعادة دولته.
ومن هنا نقول إن إرادة الشعوب حين تُطهّر أرضها من رجس محتليها فهي كفيلة في صناعة مستقبلها، وعلى وفق هذا تستدعي تلك المقولة المآثورة لتقول: ما أشبه الليلة بالبارحة! فبينما يعمل المجلس الانتقالي الجنوبي على ترسيخ دعائم الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة، تعود شرعية الشمال إلى سردياتها البائسة، محاولةً تسويق وعيٍ استخباراتي نابع من حقدٍ دفين على إرادة شعبٍ حرر أرضه وحمى عرضه ودينه، إنها المفارقة ذاتها: جنوب يبني، وشمال يهدم؛ جنوب يوحد الصفوف، وشمال يغوص في صراعاته الأزلية حتى أفقد نفسه شرعية الحكم والتمثيل.
لكن الأكثر سخرية هو ذلك الإعلام الشمالي الذي يحاول، من فنادق فاخرة، يحتسي ما يحلو ويريح به باله ويقتل من احباطاته نجده ينبري إلى تشويه مشروع شعب الجنوب وهو يعرف أنه صاحب قضية عادلة ويناضل ويقاتل على استعادتها بكل الطرق النضالية في المجالات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية ومختلف الأصعدة الإقليمية والدولية بينما هو نفسه يعيش على فتات شرعية صنعها له أبطال الجنوب، ويستمد بقاءه من دمائهم التي طهرت الأرض من ميليشيات الحوثي لتكون أرضية مؤقتة ومأوى يناضل من أجل استعادة وطنه المفقود.
مفارقة عجيبة إنهم كمن يحتسي الخمر ثم يهذي بأحلامٍ واهية عن (يمنٍ جديد وكبير) بجحم قارورة وما تحمله من مواد قادرة على تأثير المزاج لينطلق بقوله سيُبنى اليمن الكبير على أشلاء الجنوب! يا للعجب!.
والمشكلة إن الجنون الإعلامي عندما تنطلق كلماته من تفاعيل تكون أحيانًا بتأثير من شيء ما وتتحول إلى سرديات استخباراتية كاذبة بحق شعب يستحق أن ينتزع حقه من دون وصاية من أحد.
ومن هنا، لا يُخطئ المتتبع للكلام الذي سمعه الكل، وما قال به د. نجيب غلاب – أحد أعمدة إعلام الشرعية المهترئة – ذلك المزيج السام من التخبط والتناقض، ففي سردياته الاستخباراتية التي تحدث بها في مساحة منصة أكس فجر اليوم الثلاثاء 22 ابريل 2025م بدت كمن يتحدث تحت تأثير نشوة الهذيان، حاول د. نجيب غلاب اختزال الصراع في اليمن وسببها إلى ثلاثة مشاريع وهمية تدميرية ويجب أن ترحل ويحلف بالإيمان المغلظ أنه برحيلها سيأتي اليمن الكبير وهو آت فعلًا بعد رحيل هذه المشاريع التدميرية الثلاثة وذكرها:(الحوثي السلالي/ والإخوان المسلمين/ أصحاب المثلث المتخلف)، محاولًا ومتعمدًا تغييب المجلس الانتقالي الجنوبي عن الاتهام الحامل الشرعي للمشروع الجنوبي، وكأنه يُغمض عينيه عن حقيقة أن الجنوب لم يعد جزءًا من معادلات الشمال الفاشلة، هذا من جهة ومن جهة أخرى فضح نفسه من حالة إدراج مشروع الإخوان المسلمين كمشروع تدميري وحاول بخبث إخراج حزب الإصلاح منه يظنها سياسية ذكية أوقعته في مخاتلة مفضوحة، وتخبط فاضح كالذي أصابه الشيطان من المس.
الموضوع الأكثر إثارة للاستهجان هو إدعاء د. نجيب غلاب أن الرئيس الإيراني الأسبق (هاشمي رفسنجاني) كما زعم! ولم يحدد متى؟ وأي عام وفي عهد من من حكامهم بالشمال بعد احتلالهم للجنوب؟، زار صنعاء رسميًّا ثم اختفى لثلاثة أيام، فظهر فجأة في سيئون حضرموت، ويلمح إلى أنه كان وراء هذا الاختفاء ما يشير إلى إبرام اتفاقيات مع هواشم سيئون لمخطط قد عد له من مراحل! وحين تتسمع إلى تلك السرديةٌ التي يتحدث بها د. نجيب غلاب ومترددًا بين ما يريد أن يطرحها للمستمعين في المساحة كمعلومة مؤكدة حينًا ويقول هي معلومة حقيقية حينًا آخر، واخذوها من رجل يعرف دهاليز العمل الاستخباراتي والسياسي والإعلامي وهي سردية أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة، تهدف إلى تشويه صورة حضرموت، أرض السلام والتعايش، وربطها بمشروع ولاية الفقيه، وأنها قد كانت ضمن الخطة التي ضاع أو تاه عن سلطة صنعاء آنذاك ثلاثًا أيامًا (رفسنجاني) مستغفلًا المستمعين أن جهاز صنعاء الاستخباراتي لم يعلم لماذا جاء؟ ولماذا اختفى وذهب إلى حضرموت؟ وما هي المهام المسموح والممنوع لأي رئيس يأتي إلى دولة في البروتوكولات الدولية.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: أين الأدلة؟ وأين المنطق في ربط حضرموت – بوسطيتها الإسلامية وتاريخها الحضاري – بمشاريع طائفية؟ وهل د. نجيب غلاب يريد يقول على وفق تلك المنطلقات الاستخباراتية ظل بقاء المنطقة العسكرية الأولى جاثمة على أنفاس أبناء حضرموت خوفًا عليهم، لتكون محافظتهم مشروعًا سلاليًّا هاشميًّا موازيًّا لهواشم صنعاء وفق زيارة الرئيس الإيراني (هاشمي رفسنجاني). وهل يعتقد أن أبناء حضرموت يرضون أن تقبل منه هذه السردية الاستخباراتية المخزية أو أن تنقل على حجم وزن جغرافية محافظتهم وثقلها الاقتصادي والديني الوسطي، ويسمحون أن تتاجر مخابرات صنعاء بأرضهم وهويتهم وحتى فكرهم الديني الوسطي لصالح تهميش أبنايهم وتشويه سمعة تاريخهم؟ وهل ما كان يحصل في الوادي والصحراء من اغتيالات تثبت صحة هذا الادعاء المزعوم عليهم سلفًا من أنهم كانوا تابعين لمشروع إيراني كما يستنتج من كلام د. نجيب غلاب؟.
أما ما ذكره عن مشروع المثلث، فهو يعلم علمًا يقينًا أن المثلت الذي يصفه بالمشروع الإيراني بسرديته فهو عارف كما يعرف أسمه أنه الجنوب الذي أرعب أوهام الشمال حوثيًّا وعفاشيًّا وإخوانيًّا وناصريًّا وقبليًّا وبعثيًّا أو حتى شافعيًّا وهو ينتمي لمشروعهم التدميرية
.
ومن ضمن ما تحدث به د. نجيب غلاب وكيل وزارة الإعلام المهترئة وما أثار جنونه ومَن على شاكلته هو الإنجاز الجنوبي في تحرير الأرض وتطهيرها من الميليشيات. فـ(مثلث الضالع ولحج وأبين) لم يكن – كما يحلو لهم تسميته – (مثلث شر)، بل كان مثلثًا للنصر الذي كسر ظهر الحوثيين، وأعاد للجنوب كرامته، فبدلًا من أن يشكر هؤلاء الرجال الصناديد، ويعترف بحقهم المستحق في الجنوب الذين منحوه وشرعيته المزعومة مكانة ينطلقون منها بقاءً مؤقتاً، نراهم يُدينون الجنوب، ويحاولون تشويهه بـ(تهمة) التنسيق مع إيران! وأنهم هؤلاء بشجاعتهم تأهلوا وتدربوا بالضاحية اللبنانية على يد قوات إيرانية، ولو وضع السؤال عليه كيف هؤلاء راحوا إلى الضاحية الذين تصفهم بالجيوش المدربة، فأين كانت مخابراتك التي اكتشفت بلمح أيام مخطط (رفسنجاني) كما تزعم. ولو رجعنا إلى سجلات وزارة التعليم العالي والابتعاثات التي كانت الوزارة أيام حكمكم وما ترسل من طلاب الى إيران وقدكم على علم بمشروعها حسب زعمك وظهرت تلك الأعداد المهولة وهي تحت إشراف وتنسيق بين سفارتكم وملحقيتها الثقافية في إيران وعندما يتضح الأمر هل مخابراتكم كانت حريصة على المشروع العربي أم متواطئة ضده؟ ولكم مع العراق عند احتلال الكويت دليل لا ينسى ولا يبرر.
لكن ثق يا د. نجيب أنت وأمثالك أن الجنوبيين يعرفون جيداً أن هذه السرديات ما هي إلا محاولة يائسة لطمس حقيقة أن المجلس الانتقالي الجنوبي يمثل إرادة شعبٍ رفض أن يكون وقودًا لحروب الشمال، فإذا كان (أصحاب المثلث)– كما تزعم ويزعمون من أمثالك– مدعومين من إيران، فكيف لقوا ولقنوا الحوثيين أشرس هزيمة في تاريخهم؟ وكيف أصبح الجنوب قلعةً للتحالف العربي، بينما شرعيتكم لم تُحرر شبرًا واحدًا إلا بقوات جنوبية؟ أما قواتكم فأنت أعلم من سلم الجوف وفرضة نهم وأجزاء كبيرة من مأرب وتسليم ألوية من حدود صعدة، وكيف أصبح الحوثي يعرض تلك الأسلحة في ميدان السبعين ؟ وأنت تقول: (لاحوثي بعد اليوم).
وتأتي تلك السرديات التي تحاول أن تنثرها يا د. نجيب غلاب كمحاولة استباقية لمليونية حضرموت، التي تعد الصوت الذي أرعب ويرعب فنادق المشردين الباحثين عن وطن في منصات أكس وصفحات التواصل الاجتماعي وهم نيام في غرف نومهم الفارهة.
ومن هنا نقول: فمليونية حضرموت تأتي لتُعلن رسالة واضحة: أن الجنوب العربي ليس وهمًا، بل مشروعًا تحميه إرادة شعبية صلبة. إما إدعاءك يا دكتور نجيب غلاب أن مشروع الجنوب العربي هو صنف آخر يعود إلى المحور الإيراني من خلال هويته (جنوب عربي) يعتمد على السلالية التي كانت السلاطين والأمراء وعلاقاتهم بالدول التي تنتهج هذا المسار الخطير على الهوية اليمنية فأنا أقول لك: هذا كلام هراءٌ لا يستحق الرد، فكيف يكون المشروع الجنوبي – الذي يضم كل مكونات الجنوب السياسية والاجتماعية – سلاليًّا، بينما شرعتيكم التي كنتم تعتمدون عليها وانتم تمثلونها قبائل حاشد وبكيل وغيرها من المناطق الشافعية والزيدية المنتمية لشرعيتكم ظهرت على تحالفات مع الإمامة تاريخيًّا قديمًا وحديثًا وهي اليوم تقاتل في صفوف الجبهات مع المشروع الحوثي ضدكم وكانت هي من طردتكم؟
نحن نعلم ويعلم الكثير من أبناء شعبنا الجنوبي الأبي أن الغاية من هذه السرديات الهستيرية هي زرع الفرقة بين الجنوبيين، وإيهام العالم أن الصراع في حضرموت هو صراع نفوذ بين إيران وأطراف أخرى ونحن لسنا ببعيد عن المراكز التي تصدرها مراكز بحثية لكم أو متخادمة معكم، بينما الواقع يقول إن حضرموت ترفض أن تكون ساحةً لأجندات الشمال، فإذا كان رئيس مجلس القيادة د. رشاد العليمي – كما قلت بلسانك داخل المساحة – هو المنقذ لحضرموت، فلماذا لا يُسلّم السلطة لأبنائها، ويحترم دور النائب اللواء الركن فرج البحسني كممثل شرعي لها؟ وتخرج قوات المنطقة العسكرية الأولى من الوادي والصحراء لتبثوا أنكم حقيقة أحرص من غيركم على حضرموت؟.
أما مقولتك التي باتت حديث المساحات في منصة أكس: (لا حوثي بعد اليوم): شعارٌ يفضح الخوف من الجنوب وعندما تكررها كشعار (لا حوثي بعد اليوم)، فأنت ترسخ القصدية المفضوحة بهدف انتبه يا حوثي على صنعاء، ولا تقصد به أن يرحل من صنعاء، هذا من جهة ومن جهة أخرى يتضمّن تكرار المقولة (لا حوثي بعد اليوم) لغة تحريضية ضد الجنوب، فـالحوثي في قاموسكم أصبح كل من يقف ضد هيمنة شمالكم البغيض، سواء كان انتقاليًا أو حضرموتيًّا أو حتى سعوديًّا أو أماراتيًّا، لكن يجب أن تستمعوا لصوت العقل بعد ذهاب النشوة ويجب أن تعترفوا أن الجنوب قد انتزع قراره بنفسه، ولم يعد بحاجة إلى (شرعيات) تُدار من فنادق الخارج أو من منصات التواصل الاجتماعي.
ومن منطلق المناسبة التي جاءت في سياقها سردياتك الاستخباراتية التحريضية قبل إقامة مليونية حضرموت التي هي يجب أن تعرف أنها لم تكن مجرد مسيرة، بل هي إعلانًا بأن الجنوب قد استيقظ من سباته، بينما (شرعية الشمال) ما زالت تحتسي أحلامها وأوهامها، وتعتقد أن وعي الشعب يمكن شراؤه بـدولارات الولاء، لكن يجب أن تعلم أن التاريخ يُعلّمنا أن الأوطان لا تُبنى بالأحلام والأمنيات، بل بإرادة الأحرار المؤمنين بعدالة قضيتهم المصيرية. ولك أن تستدعي من التاريخ عبرة فمن صنع من أكتوبر المجيد ثورة نال عليها الجنوب دولة وسيادة وهوية ضد أكبر مستعمرة بالعالم، فلك أن تقيس هل يصعب عليه اليوم أن ينتزع الجنوب دولته من براثن مشردين يعتمدون على بيع الوطن بتقارير استخباراتية، بهدف الوصول إلى سلطة لا بناء وطن.