الحراك وأزمة الثقة !

الحراك وأزمة الثقة !

قبل 9 سنوات

 

حين تعود بي الذاكرة إلى اللحظات التي شهدت توافد الآلاف من أبناء الجنوب إلى "ساحة الحرية" بمدينة خور مكسر بمحافظة عدن صبيحة يوم السبت الموافق 7/7/2007م تلبية لنداء المجلس الأعلى لجمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين برئاسة المناضل "العميد/ ناصر علي النوبة"، وهي اللحظة التي مثلت كسر حاجز الخوف والانطلاقة الحقيقية للحراك السلمي الجنوبي، فأنني اشعر بالزهو والافتخار، لكن حين اسمح لنفسي الأمارة بالسوء بمقارنة تلك اللحظات بما وصل إليه الحراك السلمي اليوم فانه ينتابني شيء من الأسى من ذلك النوع غير القادر على هز معنوياتي وثقتي في عدالة القضية التي آمنا بها ووضعنا أنفسنا وإمكاناتنا وقدراتنا في سبيل نصرتها بما تحملها من مضامين سامية وأهداف نبيلة.

الأسى لم ينتابني بمعزل عن كثير من الحريصين على وحدة الصف الجنوبي الذين ابتعدوا عن واجهة المشهد في ظل ازدحامه بعشاق المنصات وناهبي الثورات، ابتعدوا دون إن يسأل احد لماذا؟ وهو السؤال التائه في زحمة الاتهامات التي طالت هؤلاء واستهدفتهم سهام التخوين ووضعوهم تحت "السقف الواطي"،وذلك الابتعاد جاء كنتاج طبيعي للتشوهات التي أساءت للصورة الجميلة بفعل تصرفات وسلوكيات غير مسئولة ممن بات يطلق عليهم "قادة الحراك" الذين فضل بعضهم الانتصار للذات المريضة بحب "الزعامة" المفرغة من مضامينها ونبل مقاصدها غير مكترث بالآم الجرحى ومعاناة اسر الشهداء والمعتقلين، وعلى يقين تام انه لو وجه السؤال لكل جريح ومعتقل وأسرة شهيد عن مدى اهتمام هؤلاء بهم او مجرد السؤال عن أوضاعهم لكانت الإجابة فاضحة وعلى رؤوس الأشهاد.

التشكيك في الآخر والتصنيف وفق الأمزجة وثقافة الإقصاء وعدم القبول بالأخر المختلف في التفكير والرؤى وليس في الهدف الذي بات محل إجماع كل القوى على علاتها، باتت أموراً تتحكم في علاقات الحراكيين يلحظها حتى المصابون بالعمى وهي من العوامل الأساسية التي أخرت كثيراً عملية توحيد المكونات وإيجاد قيادة موحدة وأبطأت من مسيرة الحراك في الآونة الأخيرة. كما إن "أزمة الثقة" قد تمكنت من القيادات التي كانت تقف جنباً إلى جنب في ساحة الحرية والهاشمي والمعتقلات والمحاكمات وبات كل طرف يتصيد أخطاء الآخر للإيقاع به والمزايدة عليه  واتهامه بما ليس فيه مستغلاً حماسة الشارع ورغبته في الانعتاق من نير الظلم والاضطهاد.

المرحلة التي يمر بها الحراك هذه الأيام وانقسامات النفوس تمثل التحدي الأكبر منذ انطلاقته الأولى وهي بحد ذاتها اخطر من تهديدات السلطة ومؤامراتها ودسائسها وعسسها المنتشرين في أوساط الحراك، والمؤسف انه حين يتطرق احدنا لنقد مثل هذه الأوضاع والتحذير من عواقبها يتم تصنيفه على هوى بعض تلك القيادات التي جعلت من إخلاصك لها مقياساً لإخلاصك للقضية وأهدافها، وقد ذهب بها مزاجها المتقلب والمفتقر لمعايير الاتزان والتوازن إلى إن تضع من يختلف معها ويرفض طريقتها في الأداء والتفكير في مربعات الخيانة ودوائر التآمر والارتهان للسلطة وأجهزتها الاستخباراتية.

إذا لم ننتقد ونقوّم الاعوجاج الظاهر للعيان في جسد الحراك الجنوبي ومفاصله وهو نتاج "نزوات" تلك القيادات التي قسّمت الحراك إلى قبائل وأحزاب وطوائف بهدف الحفاظ على بقائها  في المشهد الجنوبي، وان تم هذا الأخير على حساب وحدة الجميع، فإننا سنستيقظ ذات يوم على مشهد سيؤلم الجميع ولن يستثني احداً.

في الجنوب يتواجد أكثر من لاعب غير الحراك، وبدلاً من إن ينزل الحراك للملعب بفريق واحد وقائد واحد وخطة واحدة نجده يتوزع على مكونات لا هدف لها إلا إعاقة الآخر وتجيير الانتصارات لها وان كانت غير فاعلة.

واقع الحراك الجنوبي بات مؤلماً، وحين أتحدث عن الحراك فانني لا اعني قضية الجنوب العادلة التي مازالت تبحث عن حامل سياسي لها يقدر مضامينها وتضحيات أبناء الجنوب.

الحراك الجنوبي يفتقر لأدنى وقفة تقييميه له وان كان قد حقق نجاحات ميدانية ملحوظة توّجت بمليونيات جماهيرية، إلا انه فشل في إيجاد نصر سياسي عبر بوابة البرنامج السياسي والقيادة الموحدة، وسنجد كل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر واستمرار بوابة الاتهامات والتشكيك مفتوحة على مصراعيها حتى يستيقظ الحراكيون من سباتهم ويقولوا للأعور أنت اعور ولا داعي لمزيد من الهروب عن مواجهة الحقيقة بداعي الحفاظ على وحدة الصف الذي بات يتصدع يوماً عن آخر او من منطلق عدم نشر الخلافات التي باتت منشورة علناً على حبال الغسيل المسماة "مواقع الكترونية".

ربما يقول احدهم إنني قد ركبت موجة المزايدة وانه لا يوجد في الحراك شيء مما قلته وان ما يحدث ما هو إلا اختلاف في وجهات النظر وتباينات في الآراء، لكن ما يفند مزاعم هذا الطرح إنني موجود في الحراك  ومعايش واقعه ولم آت من كوكب آخر، ومع ذلك أرد بتساؤل: لماذا تفرقنا بعد إن كنا موحدين..ولماذا ابتعدنا بينما كنا قريبين جداً من بعض؟!!.

كم نحن بحاجة ماسة للحظة صدق مع الذات ومع القضية كتلك التي تجلّت في ساحة الحرية في 7يوليو2007م. فهل يملك الحراكيون القدرة على إزالة التشوهات وان يعيدوا للصورة بريقها ورونقها؟!.

مقالة خاصة بالأمين برس.

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر