مهلا، أين سجائري؟، تسألت وقد اعترضت الدهشة طريقي فوقفت الطم خدود جيوبي،كان سروالي فضفاضا وخالي تماما من أي شيئ، كدت اقول : لقد انتشلت . ولكني تداركت الأمر عندما تذكرت أني نسيتها فوق الثلاجة؛ افضل شيئ افعله حينما يتملكني الضجر، هو أن ادفع هواء شهيقي، تتسع بعدها دائرتا منخري، أفعل ذلك رغما عني؛ فأشعر بالراحة؛ وككل مرة تسير بي قدمي إلى دكانة (باطويل)، عند الرف المكتظ بعلب السجائر امسكت بواحدة، لم ادفع قيمتها، اشعلت سيجارة، ومشيت خارجا وقد تظللت صفحة وجهي بالوجوم.
كم باغتني الظلام دون أن أشعر به، وقت ان تجمد الرؤيا - وعلى كثرة الضجيج -لا أجد أي صوت يشد أنتباهي؛ أخلو إلى نفسي فأسمع أصوات نسائية مبعثرة، فجأة وكأني بها أمامي، ! أميز صوتها الحاد، فتفرقع طبلتا أذني مدفوعة بشوق مدفون؛ قلصت المساحات المكتظة بالناس في بحثي عنها، ولكني لم أجدها، فثارت في نوازع لاهبة. تسالت:"أين هي"؟
مشاهدة فقاقيع الدخان وهي تتعثر في الفضاء تضاف الى التفاصيل التي أتذكرها عنها وهي امامي وانا اتحفز لمقاطعتها،متعتي الصغيرة كانت تلك، خصتني مرة بوشوشة، دورت راحتها، دست فمها فيه، وأسقطت تلك الكلمة الصغيرة في فتحة اذني :"أحبك" لحظتها غالبت شعورا فتيا بالزهو، تفلت مني- رغم عني- ذلك الجندي الغائص بداخلي، يظهر فجأة متبجحا بنصره، رأسي الصغير يشمخ للاعلى، ولا أرد.
كم انا غبي.
وحيدا ومنفردا وسط شارع الزعفران وتعيس وسط أنفاس أيلول المسائي الخانق جلست وجذعي يصتك .
لقد انقضى على رؤيتي لها آخر مرة قرابة العام.
تمنيت أن أجد من يهدئ ذلك الضجيج الذي استوطن داخلي، وحده الكرسي وأنا أشد بقبضتي عليه فعل ذلك.
يوما، اتسع نطاق بصري الخجول فرأيت رسما لأمرأة مبتسمة تشبهها، فوقفت مشدوها وفاغرا، كدت انادي ولكني حينما أعدت النظارة الى عيوني تبدت الموناليزا وقد اخذت منها الرطوبة بعض الوانها، فأحجمت عن قول:" وانا أيضا حبيبتي.. أحبك".